انتفاضة الطلاب- بارقة أمل لفلسطين من جامعات الغرب والعرب؟

المؤلف: عريب الرنتاوي11.01.2025
انتفاضة الطلاب- بارقة أمل لفلسطين من جامعات الغرب والعرب؟

بخجلٍ وتَوَجُّس، تتطلع الجامعات الفلسطينية والعربية إلى الانضمام إلى "انتفاضة الطلاب" التي تجتاح الجامعات الأميركية والغربية. لقد أصبح الموقف مُحرجًا للغاية، فالدعم والمساندة يتدفقان على الفلسطينيين من أماكن تبعد آلاف الكيلومترات، بينما أهل الدار والقضية، ومَنْ يفترض أن يكونوا الأقرب، ما زالوا غارقين في سبات عميق. أولئك الذين استيقظوا على صرخات النساء والأطفال في غزة، وجدوا أنفسهم معزولين، بلا سند اجتماعي قوي، يواجهون سلطات أمنية قمعية وإدارات جامعية مماثلة، إلا من رحم ربي.

إن "انتفاضة الطلاب" في الجامعات الأميركية، والتي امتدت كأثر "الدومينو" إلى الجامعات الأوروبية والغربية، تظهر أمامنا كحدث تاريخي فارق، لم نشهد مثيلًا له منذ أكثر من نصف قرن، منذ ثورة الطلاب في فرنسا وأوروبا، والانتفاضة الشعبية ضد حرب فيتنام، وحركة الحقوق المدنية.

"العروة الوثقى"

يدعونا هذا إلى الاستنتاج بأن "طوفان الأقصى" وما تلاه من حرب إسرائيلية وحشية على غزة، قد دخلا التاريخ من باب المجد للمقاومين والصامدين في غزة، ومن زاوية الخزي والعار للغزاة والمستعمرين ومنتهكي القواعد الإنسانية الأساسية. أما أولئك الذين سعوا إلى التقليل من شأن "الطوفان" والانتقاص من قدر المقاومة، والاكتفاء بذرف دموع التماسيح على الأبرياء من رجال ونساء وأطفال غزة، فقد نالهم نصيبهم من الخزي والعار على أي حال.

لم تكن انتفاضة الجامعات الأميركية حدثًا منفصلًا عن سياقه. بل هي تتويج لصحوة بدأت منذ سنوات عديدة لتيارات مدنية وليبرالية وتقدمية وحقوقية في الولايات المتحدة، وتجلّت في انتفاضة جورج فلويد وحراك "حياة السود مهمة"، والدور المتنامي للحركة النسائية في مواجهة خطاب يميني متطرف، ينهل أحيانًا من مفاهيم بالية. بهذا المعنى، يمكن القول إن هذه الانتفاضة لم تكن مجرد بداية لتحولات في المشهد الأميركي، بل كانت تتويجًا لمسار من التطورات، تشير كل الدلائل إلى أنه سيستمر ويتوسع. وعلى هذا الأساس، يمكن إجراء مقارنة حذرة بين جورج فلويد الأميركي والبوعزيزي التونسي، فكلاهما كان شرارة أشعلت نارًا.

إن "العروة الوثقى" بين الحراك الاحتجاجي الشبابي التقدمي في الولايات المتحدة، وما يجري على أرض فلسطين، لم تبدأ اليوم، فقد رأينا بوادر هذه الصلة خلال "سيف القدس" قبل ثلاثة أعوام، عندما رُفعت شعارات تربط بين حياة السود المهمة، وحياة الفلسطينيين. ولكن كان لا بد من الانتظار حتى تتبلور هذه الصلة وتتوطد جذورها، لتنتقل فلسطين، بقضيتها وشعبها وحقوقها الأساسية، من هامش الأولويات الخارجية الأميركية، إلى صميم السياسة الداخلية ومحور الاهتمام في الحملات الانتخابية في "الدولة العظمى".

وستكون انتفاضة الجامعات الأميركية بمثابة الاختبار الثاني والأكثر أهمية للمنظومة القيمية والأخلاقية للدولة التي تتزعم "العالم الحر". وستفشل إدارة بايدن فشلًا ذريعًا في هذين الاختبارين. لقد سقطت بالفعل في اختبار الحرب الإسرائيلية على غزة، عندما تحولت من "الانحياز الأعمى" إلى الشراكة الميدانية والسياسية في جرائم الحرب والإبادة والتطهير العرقي الإسرائيلية.

عنصرية واستعلاء

وسقطت أيضًا عندما أطلقت آلتها القمعية ضد صفوة طلبتها في أرقى جامعاتها، فكانت صور الاعتداء على الطلبة والأساتذة الجامعيين، تذكرنا بصورة فلويد وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت ركبة رجل أمن متغطرس وعنصري. ثم جاء تقرير "الواشنطن بوست" ليكشف عن اعتقال 900 طالب خلال الأيام العشرة الأخيرة، وهو رقم قياسي حتى بمعاييرنا نحن أبناء "صحراء الديمقراطية القاحلة" في جنوب وشرق المتوسط.

بغض النظر عن التفاصيل، فإن ما يحدث اليوم في جامعات الولايات المتحدة والغرب، يعيدنا إلى ما أشرنا إليه قبل سنوات، حين لفتنا الانتباه إلى أن عودة الروح إلى الحركات الاحتجاجية في الغرب، على خلفية مناهضة العنصرية ومعاداة الأجانب والمهاجرين واليمين الشعبوي، توفر فرصة للفلسطينيين لنقل نضالهم ضد الاحتلال و"الأبارتيد" إلى الساحة الدولية مجددًا، ولكن هذه المرة من خلال الشعوب والمجتمعات والحركات التقدمية.

اليوم، تأتي هذه الصلة بمبادرة من طلبة الجامعات الأميركية، الذين يدمجون حراكهم التضامني مع الشعب الفلسطيني، في نضال أوسع وأشمل، من أجل استعادة قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان في بلدانهم، في مواجهة تيارات ظلامية، تختبئ خلف نزعات شوفينية وتمجد التفوق العرقي للرجل الأبيض.

في هذا الصراع، تتموضع فلسطين في الجانب الصحيح من التاريخ، وتقبع إسرائيل في الزاوية الخاطئة منه، معزولة ومُدانة بارتكاب التطهير العرقي والإبادة الجماعية. بل إن دورها كقوة تعيق الحريات في الغرب، يظهر اليوم بشكل جلي أكثر من أي وقت مضى، فـ "المكارثية" تطل بوجهها القبيح في عواصم غربية عديدة، وليس في واشنطن وحدها، وحرية التعبير مقيدة بخطوط حمراء تفرضها النخب الحاكمة ومؤسسات صنع القرار وجماعات الضغط والابتزاز، وجميعها مصممة على حماية كيان الاحتلال والعنصرية من الانتقادات والإدانة والاحتجاج. يتجلى دور إسرائيل في الغرب، كما كان دورها في الشرق، كعقبة كؤود في وجه الحرية والديمقراطية.

لقد جادل الغربيون طويلًا، خاصة منذ انطلاق "عملية برشلونة" وبالأخص في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، بأنكم – أيها الإصلاحيون العرب – قد جعلتم من إسرائيل "شماعة" تعلقون عليها أسباب إخفاقاتكم المتكررة في اللحاق بركب الديمقراطية الذي اجتاح العالم على مراحل، متسائلين ما علاقة إسرائيل بتعطيل مسارات الإصلاح والتحول الديمقراطي في العالم العربي؟

تفوق زائف

اليوم، ودون التقليل من أهمية الأسباب والسياقات الداخلية للاستعصاء الديمقراطي في العالم العربي، لدينا ما يكفي من التجارب والأدلة لنقول بأنكم أخطأتم ونحن كنا على صواب. فقد رأينا بالأمس، كيف ثار العالم ضد نتائج انتخابات حرة ونزيهة في فلسطين عام 2006، لأنها لم تتماشى مع مخططات أوسلو ومساعي دمج إسرائيل في المنطقة. ورأينا انقلاباتكم على ثورات الربيع العربي، لأنكم استشعرتم بغرائزكم الاستعمارية، أن الديمقراطية في العالم العربي تتعارض مع مسارات التطبيع والهيمنة الاستعمارية. وها نحن نشاهد اليوم بأم أعيننا، كيف أنكم على أتم الاستعداد للتخلي عن دبلوماسيتكم المخملية عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن "قاعدتكم المتقدمة"، حتى لو استدعى ذلك استخدام القوة الغاشمة ضد طلبتكم وجامعاتكم وشوارعكم الغاضبة.

العنصرية بطبيعتها، تتجاوز حدود الأديان والقوميات والأعراق. ونضال الفلسطينيين ضد العنصرية في نسختها الصهيونية الأكثر بشاعة وانحطاطًا، أصبح اليوم جزءًا لا يتجزأ من نضال عالمي ضد جميع أشكال ومظاهر وسياسات وممارسات التمييز والتعالي والتفوق الزائف، والتطرف اليميني في أبشع صوره في عدائه للآخر والأجانب والشعوب المقهورة.

مقاومة التطبيع

وهذا يفرض على الفلسطينيين ونخبهم التقدمية وضع استراتيجيات وبرامج ترمي إلى تعميق هذا الربط، وتعزيز هذا الرهان، فها هي نافذة واسعة قد فتحت في جدار العزلة الذي طال أمده حول فلسطين قضية وشعبًا وحقوقًا. وهذا هو الضمان لاستدامة هذا الحراك التضامني وترسيخه كثقافة، وهذا هو الطريق الأقصر لإنهاء "شرعية" إسرائيل، وتجريدها من الغطاء الزائف الذي اختبأت خلفه لأكثر من سبعة عقود، وأعتقد أن هذا يشكل أحد أهم وأخطر "التهديدات للأمن القومي الإسرائيلي".

وفي المقابل، على الساحة العربية، يجب على هذه النخب تكثيف الجهود لتعزيز الارتباط الوثيق بين مقاومة التطبيع، وحاجة شعوب الأمة العربية إلى تمهيد طريقها نحو الحرية والاستقلال والتحرر من نير القمع والتخلف الذي يسيطر على مصائرها ومستقبل أجيالها. فالكفاح ضد التطبيع ليس مجرد عمل تضامني مستحق مع الشعب الفلسطيني، بل هو أيضًا جزء من نضال ضروري من أجل الحرية والديمقراطية والتقدم لهذه الشعوب. ولا شك أن إبراز المصالح الوطنية لشعوبنا في مقاومة التطبيع، والتركيز عليها، هو الضمان لتنشيط حركات المقاطعة ومقاومة التطبيع، تمامًا كما هو الحال مع حركات الاحتجاج الطلابية والشعبية في عواصم الغرب ومجتمعاته.

إن انتفاضة الطلاب في الجامعات الأميركية والغربية، تمثل بداية عهد جديد في نضال الشعب الفلسطيني، وبصيص أمل في انتقال عدوى "مبدأ الدومينو" إلى جامعاتنا ومجتمعاتنا العربية، وتلك إحدى "بركات" الطوفان والصمود الأسطوري لغزة ومقاومتها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة